فصل: فَصْلٌ: ادَّعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِأُخُوَّةِ رَضَاعٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ

أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ حَيْثُ عَدَدِ شُهُودِهِ لِاخْتِلَافِ الشُّهُودِ بِاخْتِلَافِ المَشْهُودِ بِهِ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ أَقْسَامُهُ ‏(‏سَبْعَةٌ‏)‏ بِالِاسْتِقْرَاءِ ‏(‏أَحَدُهَا‏:‏ الزِّنَا وَمُوجِبُ حَدِّهِ‏)‏ أَيْ اللِّوَاطُ ‏(‏فَلَا بُدَّ‏)‏ فِي ثُبُوتِهِ ‏(‏مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ يَشْهَدُونَ بِهِ‏)‏ أَيْ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَشْهَدُونَ ‏(‏بِأَنَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ‏(‏أَقَرَّ‏)‏ بِهِ ‏(‏أَرْبَعًا‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ‏}‏ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ ‏"‏ ‏{‏أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك‏}‏ وَاعْتِبَارُ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لَهُ فَاعْتُبِرُوا فِيهِ كَشُهُودِ الْفِعْلِ، لَكِنْ لَوْ شَهِدَ الْأَرْبَعَةُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعَةٍ، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِّ الزِّنَا‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ إذَا ادَّعَى مَنْ عُرِفَ بِغِنًى أَنَّهُ فَقِيرٌ‏)‏ لِأَخْذِ زَكَاةٍ ‏(‏فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ‏)‏ يَشْهَدُونَ لَهُ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ‏}‏ وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاة‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ مَا يُوجِبُ ‏(‏الْقَوَدَ وَالْإِعْسَارَ، وَوَطْءٌ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ‏)‏ كَوَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَبَهِيمَةٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِ وَطْءُ أَمَتِهِ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صَوْمٍ، وَأَمَّا وَطْءُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ أَيْ يَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حَدًّا وَلَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ غَالِبًا‏.‏

قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّه فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ، ‏(‏وَبَقِيَّةُ الْحُدُودِ‏)‏ كَحَدِّ قَذْفٍ وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ ‏(‏فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ وَيَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، فَلَمْ تُقْبَلْ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِنَقْصِهِنَّ ‏(‏وَيَثْبُتُ قَوَدٌ‏)‏ وَقَذْفٌ وَشُرْبٌ ‏(‏بِإِقْرَارٍ مَرَّةً‏)‏، وَتَقَدَّمَ بِخِلَافِ زِنًا وَسَرِقَةٍ وَقَطْعِ طَرِيقٍ‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏الرَّابِعُ‏:‏ مَا لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَلَا مَالٍ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، كَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَخُلْعٍ وَنَسَبٍ وَوَلَاءٍ، وَكَذَا تَوْكِيلٌ وَإِيصَاءٌ فِي غَيْرِ مَالٍ فَكَاَلَّذِي قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِيهِ كَالْقِصَاصِ‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏الْخَامِسُ‏:‏ الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَكَقَرْضٍ وَرَهْنٍ الْوَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ وَشَرِكَةٍ وَحَوَالَةٍ وَصُلْحٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَمَهْرٍ وَتَسْمِيَتِهِ وَرِقٍّ مَجْهُولٍ وَعَارِيَّةٍ وَشُفْعَةٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ وَضَمَانَةٍ وَتَوْكِيلٍ‏)‏ فِيهِ ‏(‏وَإِيصَاءٍ فِيهِ وَوَصِيَّةٍ بِهِ لِعَيْنٍ وَوَقْفٍ عَلَيْهِ وَبَيْعٍ وَأَجَلِهِ وَخِيَارٍ فِيهِ وَجِنَايَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا يُوجِبُ قَوَدًا بِحَالٍ‏)‏ كَجَائِفَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ جِنَايَةٍ ‏(‏تُوجِبُ مَالًا، وَفِي بَعْضِهَا قَوَدٌ كَمَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ لَهُ قَوَدُ مُوضِحَةٍ فِي ذَلِكَ‏)‏ وَأَخْذِ تَفَاوُتِ الدِّيَةِ ‏(‏وَكَ‏)‏ فَسْخِ ‏(‏عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ‏)‏ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ لَا عَقْدِ نِكَاحٍ، ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏دَعْوَى قَتْلِ كَافِرٍ لِأَخْذِ سَلَبِهِ، وَ‏)‏ كَ ‏(‏دَعْوَى أَسِيرٍ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ لِمَنْعِ رِقِّهِ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ‏(‏فَيَثْبُتُ الْمَالُ‏)‏ فِي مَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ لَا قَوَدِ الْمُوضِحَةِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ‏(‏بِرَجُلَيْنِ وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ،‏}‏ وَسِيَاقُ الْآيَةِ فِي الدَّيْنِ، وَأُلْحِقَ بِهِ سَائِرُ الْأَمْوَالِ لِانْحِلَالِ رُتْبَةِ الْمَالِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ، وَتَكْثُرُ فِيهِ الْمُعَامَلَةُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ؛ فَوَسَّعَ الشَّرْعُ بَابَ ثُبُوتِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَثْبُتُ ذَلِكَ ‏(‏بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ‏:‏ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا‏.‏

وَهَذَا الْحَدِيثِ يُرْوَى عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ‏:‏ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُبَيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَنْ‏.‏

عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ، وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ بِالْعِرَاقِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً و‏(‏لَا‏)‏ يَثْبُتُ الْمَالُ وَنَحْوُهُ بِشَهَادَةِ ‏(‏امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ‏)‏ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي ذَلِكَ مُنْفَرِدَاتٍ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ لَمْ يُقْبَلْنَ ‏(‏وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّهَادَةِ‏)‏ أَيْ شَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى جَانِبُهُ إلَّا بِشَهَادَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُ مُدَّعٍ فِي حَلِفِهِ‏:‏ وَأَنَّ شَاهِدِي صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ‏:‏ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْبَدَنِ وَالْإِيصَاءِ وَالْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ ‏(‏وَلَوْ نَكَلَ عَنْهُ‏)‏ أَيْ الْيَمِينِ ‏(‏مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا حَلَفَ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْحَقُّ‏)‏ أَيْ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ ‏(‏فَإِنْ نَكَلَ‏)‏ مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ ‏(‏حُكِمَ عَلَيْهِ‏)‏ بِالنُّكُولِ نَصًّا لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُثْمَانَ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي جَنَبَتِهِ وَقَدْ أَسْقَطَهَا بِنُكُولِهِ عَنْهَا وَصَارَتْ فِي جَنَبَةِ غَيْرِهِ فَلَمْ تَعُدْ إلَيْهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ عَنْهَا ‏(‏وَلَوْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ حَقٌّ‏)‏ مَالِيٌّ ‏(‏بِشَاهِدٍ فَأَقَامُوهُ فَمَنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ‏)‏ لِكَمَالِ النِّصَابِ مِنْ جِهَتِهِ ‏(‏وَلَا يُشَارِكُهُ‏)‏ فِيمَا أَخَذَهُ ‏(‏مَنْ لَمْ يَحْلِفْ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ قَبْلَ حَلِفِهِ ‏(‏وَلَا يَحْلِفُ وَرَثَةُ نَاكِلٍ‏)‏ عَنْ يَمِينٍ بَعْدَ إقَامَتِهِ شَاهِدًا بِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَارِثِهِ حَالَ حَيَاتِهِ، فَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ الدَّعْوَى وَإِقَامَةُ الشَّاهِدِ وَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَأْخُذُ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏السَّادِسُ‏)‏ مِنْ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ ‏(‏دَاءُ دَابَّةٍ وَ‏)‏ دَاءُ ‏(‏مُوضِحَةٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَدَاءٍ بِعَيْنٍ ‏(‏فَيُقْبَلُ قَوْلُ طَبِيبٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏وَبَيْطَارٍ وَاحِدٍ‏)‏ وَكَحَّالٍ وَاحِدٍ ‏(‏لِعَدَمِ غَيْرِهِ فِي مَعْرِفَتِهِ‏)‏ أَيْ الدَّاءِ نَصًّا لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اجْتِهَادِهِ كَالْقَاضِي يُخْبِرُ عَنْ حُكْمِهِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ‏)‏ بِأَنْ كَانَ بِالْبَلَدِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ ‏(‏فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ‏)‏ ‏(‏اثْنَانِ‏)‏ كَسَائِرِ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَيْسَ بِمَالٍ ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَا‏)‏ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِوُجُودِ الدَّاءِ وَالْآخَرُ بِعَدَمِهِ ‏(‏قُدِّمَ قَوْلُ مُثْبِتٍ عَلَى‏)‏ قَوْلِ ‏(‏نَافٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ لَمْ يُدْرِكْهَا النَّافِي‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏السَّابِعُ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ، الرَّضَاعِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَبَرَصٍ بِظَهْرِ أَوْ بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَرَتَقٍ وَقَرْنٍ وَعَفَلٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَكَذَا جِرَاحَةٌ وَغَيْرُهَا‏)‏ كَعَارِيَّةٍ الْوَدِيعَةٍ وَقَرْضٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏فِي حَمَّامٍ وَبُرْسٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ فَيَكْفِي فِيهِ امْرَأَةٌ عَدْلٌ‏)‏ لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ ‏"‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا‏}‏ ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ‏.‏

وَرَوَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏"‏ ‏{‏يَجْزِي فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ‏}‏ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنًى يَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالرِّوَايَةِ وَالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ ‏(‏وَالْأَحْوَطُ‏)‏ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ ‏(‏اثْنَانِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ ‏(‏وَإِنْ شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏أَوْلَى‏)‏ بِالْقَبُولِ مِنْ الْمَرْأَةِ ‏(‏لِكَمَالِهِ‏)‏ أَيْ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الرَّجُلِ كَالرِّوَايَةِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ادَّعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِأُخُوَّةِ رَضَاعٍ

وَمَنْ ادَّعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِأُخُوَّةِ رَضَاعٍ أَيْ بِأَنَّهُ أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعِ ‏(‏فَأَنْكَرَ‏)‏ الزَّوْجُ الْإِقْرَارَ بِهِ ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا ‏(‏وَإِنْ شَهِدَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ‏)‏ أَيْ لَا قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ لِأَنَّ الْعَمْدَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْمَالُ بَدَلٌ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَجِبْ بَدَلُهُ، وَإِنْ قُلْنَا‏:‏ مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالِاخْتِيَارِ فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِذَلِكَ لَوَجَبَ الْمُعَيَّنُ بِدُونِ اخْتِيَارٍ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ أَخَاهُ بِسَهْمٍ عَمْدًا فَقَتَلَهُ وَنَفَذَ إلَى أَخِيهِ الْآخَرَ فَقَتَلَهُ خَطَأً وَأَقَامَ بِذَلِكَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَحَلَفَ مَعَهُ ثَبَتَ قَتْلُ الثَّانِي لِأَنَّهُ خَطَأٌ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ‏.‏

‏(‏وَإِنْ شَهِدُوا‏)‏ أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ ‏(‏بِسَرِقَةٍ ثَبَتَ الْمَالُ‏)‏ لِكَمَالِ نِصَابِهِ ‏(‏دُونَ الْقَطْعِ‏)‏ لِلسَّرِقَةِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ وَالسَّرِقَةُ تُوجِبُ الْمَالَ وَالْقَطْعَ وَقُصُورُ الْبَيِّنَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْآخَرِ ‏(‏وَيُغَرِّمُهُ بِنِكْلٍ‏)‏ أَيْ لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِسَرِقَةِ مَالٍ فَأَنْكَرَ فَالْتَمَسَ يَمِينَهُ فَنَكَلَ غَرِمَ الْمَالَ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى زَوْجٌ خُلْعًا قُبِلَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ‏)‏ رَجُلٌ ‏(‏وَيَمِينُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمَالَ ‏(‏فَيَثْبُتُ الْعِوَضُ‏)‏ بِذَلِكَ ‏(‏وَتَبِينُ‏)‏ الْمَرْأَةُ ‏(‏بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ‏)‏ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَتْهُ‏)‏ أَيْ الْخُلْعَ الزَّوْجَةُ ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ‏)‏ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْفَسْخُ وَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ رَجُلَيْنِ ‏(‏وَإِنْ أَقَامَتْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ‏)‏ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ ‏(‏بِتَزْوِيجِهَا بِمَهْرٍ‏)‏ عَيَّنَتْهُ ‏(‏ثَبَتَ الْمَهْرُ‏)‏ دُونَ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلرَّجُلِ فَلَا تَدَّعِيهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ مَا سَرَقَ أَوْ مَا غَصَبَ وَنَحْوَهُ‏)‏ نَحْوُ مَا بَاعَ أَوْ مَا اشْتَرَى أَوْ وَهَبَ أَوْ قَتَلَ ‏(‏فَثَبَتَ فِعْلُهُ‏)‏ أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ ‏(‏بِرَجُلٍ‏)‏ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِرَجُلٍ ‏(‏وَيَمِينٍ ثَبَتَ الْمَالُ‏)‏ لِكَمَالِ النِّصَابِ ‏(‏وَلَمْ تَطْلُقْ‏)‏ زَوْجَتُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ ‏(‏وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ‏)‏ أَنَّ فُلَانَةَ أُمُّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ شَهِدَ ‏(‏رَجُلٌ وَحَلَفَ مَعَهُ أَنَّ فُلَانَةَ أُمُّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ قُضِيَ لَهُ بِهَا‏)‏ أَيْ الْجَارِيَةِ ‏(‏أُمِّ وَلَدٍ‏)‏ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وَالِاسْتِيلَاءُ بِإِقْرَارِهِ لِنُفُوذِهِ فِي مِلْكِهِ ‏(‏وَلَا تَثْبُتُ حُرِّيَّةُ وَلَدِهَا وَلَا نَسَبُهُ‏)‏ مِنْ مُدَّعٍ لِأَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِرَجُلَيْنِ فَيُقِرُّ الْوَلَدُ بِيَدِ مُنْكِرٍ مَمْلُوكًا لَهُ ‏(‏وَلَوْ وُجِدَ عَلَى دَابَّةٍ مَكْتُوبٌ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏)‏ حُكِمَ بِهِ نَصًّا ‏(‏أَوْ‏)‏ وُجِدَ ‏(‏عَلَى أُسْكُفَّةِ دَارٍ‏)‏ مَكْتُوبُ وَقْفٍ أَوْ مَسْجِدٌ حُكِمَ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ وُجِدَ عَلَى ‏(‏حَائِطِهَا‏)‏ أَيْ حَائِطِ دَارٍ مَكْتُوبُ ‏(‏وَقْفٍ، أَوْ مَسْجِدٌ حُكِمَ بِهِ‏)‏ نَصًّا حَيْثُ لَا مُعَارِضَ أَقْوَى مِنْهُ كَبَيِّنَةٍ ‏(‏وَلَوْ وَجَدَهُ‏)‏ أَيْ وَجَدَ الْحَاكِمُ مَكْتُوبًا ‏(‏عَلَى كُتُبِ عِلْمٍ فِي خِزَانَةٍ مُدَّةً طَوِيلَةً‏)‏ هَذَا وَقْفٌ ‏(‏فَكَذَلِكَ‏)‏ أَيْ يُحْكَمُ بِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَكُنْ مُدَّتُهَا طَوِيلَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ بِخِزَانَةٍ ‏(‏عُمِلَ بِالْقَرَائِنِ‏)‏ فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى تَظْهَرَ لَهُ قَرِينَةٌ يُعْمَلُ بِهَا‏.‏

بَابُ‏:‏ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبَابُ الرُّجُوعِ عَنْهَا وَبَابُ أَدَائِهَا

أَيْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُؤَدَّى بِهَا الشَّهَادَةُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى إمْضَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ مُسْتَدَامَةٌ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ لِمَا قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الشَّاهِدِ مِنْ اخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ وَالْعَجْزِ عَنْ الشَّهَادَةِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوجِبُ ضَيَاعَ حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ فَاسْتُدْرِكَ ذَلِكَ بِتَجْوِيزِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِتَدُومَ الْوَثِيقَةُ عَلَى أَنَّ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّأْبِيدِ كَالْوَقْفِ وَالشَّاهِدُ لَا يَعِيشُ أَبَدًا ‏(‏لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا بِثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ‏)‏ لَخَّصَهَا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ ‏(‏أَحَدُهَا‏:‏ كَوْنُهَا‏)‏ أَيْ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ‏(‏فِي حَقٍّ يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ‏)‏ وَهُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السِّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَةٍ فِيهَا شُبْهَةٌ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَكَذِبِ شُهُودِ الْفَرْعِ فِيهَا مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ لَا يُوجَدُ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّ سِتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ تَعَذُّرُ‏)‏ شَهَادَةِ ‏(‏شُهُودِ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْبَةِ مَسَافَةِ قَصْرٍ‏)‏ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ تُثْبِتُ نَفْسَ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ الْفَرْعِ إنَّمَا تُثْبِتُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ وَلِاسْتِغْنَاءِ الْحَاكِمِ بِسَمَاعِ الْأَصْلِ عَنْ تَعْدِيلِ الْفَرْعِ وَسَمَاعُهُ مِنْ الْأَصْلِ مَعْلُومٌ وَصِدْقُ شَاهِدِ الْفَرْعِ عَلَيْهِ‏.‏

مَظْنُونٌ وَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْيَقِينِ مَعَ إمْكَانِهِ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّالِثُ‏:‏ دَوَامُ تَعَذُّرِهِمْ‏)‏ أَيْ شُهُودِ الْأَصْلِ ‏(‏إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ فَمَتَى أَمْكَنَتْ شَهَادَتُهُمْ‏)‏ أَيْ الْأُصُولِ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الْحُكْمِ ‏(‏وُقِفَ‏)‏ الْحُكْمُ ‏(‏عَلَى سَمَاعِهَا‏)‏ لِزَوَالِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ كَانُوا حَاضِرِينَ أَصِحَّاءَ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الرَّابِعُ‏:‏ دَوَامُ عَدَالَةِ‏)‏ شَاهِدِ ‏(‏أَصْلٍ وَ‏)‏ شَاهِدِ ‏(‏فَرْعٍ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ صُدُورِ الْحَكَمِ ‏(‏فَمَتَى حَدَثَ قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الْحُكْمِ ‏(‏مِنْ أَحَدِهِمْ‏)‏ أَيْ شُهُودِ الْأَصْلِ وَشُهُودِ الْفَرْعِ ‏(‏مَا يَمْنَعُ قَبُولَهُ‏)‏ مِنْ نَحْوِ فِسْقٍ أَوْ جُنُونٍ ‏(‏وُقِفَ‏)‏ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى شَهَادَةِ الْجَمِيعِ وَإِذَا فُقِدَ شَرْطُ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الْخَامِسُ‏:‏ اسْتِرْعَاءُ‏)‏ شَاهِدِ ‏(‏الْأَصْلِ‏)‏ شَاهِدَ ‏(‏الْفَرْعِ أَوْ‏)‏ اسْتِرْعَاءُ ‏(‏غَيْرِهِ وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْفَرْعُ ‏(‏يَسْتَمِعُ‏)‏ اسْتِرْعَاءَ الْأَصْلِ لِغَيْرِهِ وَأَصْلُ الِاسْتِرْعَاءِ مِنْ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ‏:‏ أَرِعْنِي سَمْعَك، يُرِيدُ‏:‏ اسْمَعْ مِنِّي، مَأْخُوذٌ مِنْ رَعَيْتُ الشَّيْءَ‏:‏ حَفِظْتَهُ، فَشَاهِدُ الْأَصْلِ يَطْلُبُ مِنْ شَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَحْفَظَ شَهَادَتَهُ وَيُؤَدِّيَهَا وَصِفَةُ الِاسْتِرْعَاءِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَيَقُولُ‏)‏ شَاهِدُ الْأَصْلِ لِمَنْ يَسْتَرْعِيهِ ‏(‏اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي‏)‏ أَنِّي أَشْهَدُ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ يَقُولُ لَهُ‏:‏ ‏(‏اشْهَدْ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ وَقَدْ عَرَفْتَهُ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ أَوْ‏)‏ يَقُولُ ‏(‏شَهِدْت عَلَيْهِ أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَإِلَّا‏)‏ يَسْتَرْعِهِ وَلَا غَيْرَهُ مَعَ سَمَاعِهِ ‏(‏لَمْ يَشْهَدْ‏)‏ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا مَعْنَى النِّيَابَةِ وَلَا يَنُوبُ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ ‏(‏إلَّا إنْ سَمِعَهُ‏)‏ أَيْ سَمِعَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ ‏(‏يَشْهَدُ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ يَعْزُوهَا‏)‏ أَيْ شَهَادَتَهُ ‏(‏إلَى سَبَبٍ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ فَيَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبِنِسْبَتِهِ الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ‏.‏

يَزُولُ الِاحْتِمَالُ كَالِاسْتِرْعَاءِ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏السَّادِسُ‏:‏ أَنْ يُؤَدِّيَهَا‏)‏ أَيْ الشَّاهِدُ ‏(‏الْفَرْعُ بِصِفَةِ‏)‏ تَحَمُّلِهِ وَإِلَّا لَمْ يُحْكَمْ بِهَا ‏(‏وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ بِفَرْعَيْنِ وَلَوْ عَلَى كُلِّ‏)‏ شَاهِدِ ‏(‏أَصْلٍ‏)‏ شَاهِدُ ‏(‏فَرْعٍ‏)‏ نَصًّا كَمَا لَوْ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحَقِّ وَلِأَنَّ الْفَرْعَ بَدَلُ الْأَصْلِ فَاكْتُفِيَ بِمِثْلِ عَدَدِهِ وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ لَا يَنْقُلَانِ عَنْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ حَقًّا عَلَيْهَا فَكَفَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ كَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ ‏(‏وَيَثْبُتُ الْحَقُّ بِ‏)‏ شَهَادَةِ ‏(‏فَرْعٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏مَعَ أَصْلٍ آخَرَ‏)‏ كَأَصْلَيْنِ أَوْ فَرَعَيْنَ ‏(‏وَيَصِحُّ تَحَمُّلُ فَرْعٍ عَلَى فَرْعٍ‏)‏ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏أَنْ يَشْهَدَ النِّسَاءُ‏)‏ حَيْثُ يُقْبَلْنَ ‏(‏فِي أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَفَرْعٍ وَفَرْعٍ‏)‏ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ مَا يَشْهَدُ بِهِ الْأُصُولُ فَدَخَلَ فِيهِ النِّسَاءُ ‏(‏فَيُقْبَلُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى مِثْلِهِمْ أَوْ عَلَى رَجُلَيْنِ أَصْلَيْنِ أَوْ فَرَعَيْنَ‏)‏ فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ ‏(‏وَ‏)‏ تُقْبَلُ ‏(‏امْرَأَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ الْمَرْأَةُ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏السَّابِعُ‏:‏ تَعْيِينُ شَاهِدَيْ فَرْعٍ لِأَصْلِهِ‏)‏ قَالَ الْقَاضِي‏:‏ حَتَّى لَوْ قَالَ تَابِعِيَّانِ‏:‏ أَشْهَدَنَا صَحَابِيَّانِ، لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَهُمَا‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّامِنُ‏:‏ ثُبُوتُ عَدَالَةِ الْجَمِيعِ‏)‏ أَيْ شُهُودِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَتَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِمَا بِدُونِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ، لِانْبِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا ‏(‏فَلَا يَجِبُ عَلَى‏)‏ شَاهِدِ ‏(‏فَرْعٍ تَعْدِيلُ‏)‏ شَاهِدِ ‏(‏أَصْلٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ فَيَبْحَثَ عَنْهُ الْحَاكِمُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْرِفَا عَدَالَتَهُمَا وَيَتْرُكَاهَا اكْتِفَاءً، بِمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ عَدَالَتِهِمَا ‏(‏تُقْبَلُ‏)‏ شَهَادَةُ الْفَرْعِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِتَعْدِيلِ أَصْلِهِ قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ‏(‏وَ‏)‏ تُقْبَلُ‏.‏

شَهَادَةُ الْفَرْعِ ‏(‏بِمَوْتِهِ‏)‏ أَيْ الْأَصْلِ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَمَرَضِهِ وَغَيْبَتِهِ كَتَعْدِيلِهِمْ و‏(‏لَا‏)‏ يُقْبَلُ ‏(‏تَعْدِيلُ شَاهِدٍ لِرَفِيقِهِ‏)‏ بَعْدَ شَهَادَتِهِ أَصْلًا كَانَ أَوْ فَرْعًا لِإِفْضَائِهِ إلَى انْحِصَارِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِهِمَا قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ‏.‏

فَلَوْ كَانَ قَدْ زَكَّاهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ شَهِدَ قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ إذَنْ ‏(‏وَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدُ أَفْرُعٍ عَلَى أَصْلٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏وَتَعَذَّرَ‏)‏ الْأَصْلُ ‏(‏وَالْآخَرُ‏)‏ وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ ‏(‏حَلَفَ‏)‏ مَشْهُودٌ لَهُ ‏(‏وَاسْتَحَقَّ‏)‏ مَا شَهِدَا لَهُ بِهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ أَصْلُهُمَا ‏(‏وَإِذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا‏)‏ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ‏:‏ إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا لِتَأَكُّدِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ‏.‏

‏(‏وَيَضْمَنُ شُهُودُ الْفَرْعِ‏)‏ مَحْكُومًا بِهِ يَتْلَفُ بِشَهَادَتِهِمْ ‏(‏بِرُجُوعِهِمْ بَعْدَ الْحُكْمِ‏)‏ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ كَمَا لَوْ بَاشَرُوا التَّلَفَ بِأَيْدِيهِمْ ‏(‏مَا لَمْ يَقُولُوا‏:‏ بَانَ لَنَا كَذِبُ الْأُصُولِ أَوْ غَلَطُهُمْ‏)‏ فَلَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْأُصُولِ ‏(‏وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الْحُكْمِ ‏(‏لَمْ يَضْمَنُوا‏)‏ شَيْئًا لِحُصُولِ الْإِتْلَافِ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ فَلَمْ يَلْزَمْهُمْ ضَمَانٌ كَالْمُتَسَبِّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُلْجِئُوا الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ ‏(‏إلَّا إنْ قَالُوا‏:‏ كَذَبْنَا أَوْ‏)‏ قَالُوا ‏(‏غَلِطْنَا‏)‏ فَيَلْزَمُهُمْ الضَّمَانُ لِاعْتِرَافِهِمْ بِتَعَمُّدِ الْإِتْلَافِ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ كَذَبْنَا، أَوْ بِخَطَئِهِمْ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ غَلِطْنَا ‏(‏وَإِنْ قَالَا‏)‏ أَيْ شَاهِدَا الْأَصْلِ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الْحُكْمِ ‏(‏مَا أَشْهَدْنَاهُمَا‏)‏ أَيْ الْفَرْعَيْنِ ‏(‏بِشَيْءٍ‏)‏ مِمَّا شَهِدَا بِهِ عَلَى شَهَادَتِنَا ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ الْفَرِيقَانِ‏)‏ لَا شَاهِدُ الْأَصْلِ وَلَا شَاهِدُ الْفَرْعِ ‏(‏شَيْئًا‏)‏ مِمَّا حَكَمَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ‏.‏

يَثْبُتْ كَذِبُ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ وَلَا رُجُوعُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ؛ إذْ الرُّجُوعُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُشَاهَدَةٍ وَهُمَا أَنْكَرَا أَصْلَ الشَّهَادَةِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ الزيادة في الشهادة

وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ كَأَنْ شَهِدَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ‏:‏ هِيَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ‏(‏أَوْ نَقَصَ‏)‏ فِي شَهَادَتِهِ بِأَنْ شَهِدَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ‏:‏ هِيَ تِسْعُونَ بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ إلَيْهِ ‏(‏لَا بَعْدَ حُكْمِ‏)‏ حَاكِمٍ بِشَهَادَتِهِ قُبِلَ نَصًّا وَحُكِمَ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَخِيرًا لِأَنَّهَا شَهَادَةُ عَدْلٍ غَيْرِ مُتَّهَمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا مَا أَشْبَهَ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَا يُخَالِفُهَا وَلَا تُعَارِضُهَا الشَّهَادَةُ الْأُولَى لِبُطْلَانِهَا بِرُجُوعِهِ عَنْهَا ‏(‏أَوْ أَدَّى‏)‏ الشَّهَادَةَ ‏(‏بَعْدَ إنْكَارِهَا‏)‏ بِأَنْ شَهِدَ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَهَادَةٌ، وَقَالَ‏:‏ كُنْتُ نَسِيتهَا ‏(‏قُبِلَ‏)‏ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى‏}‏ فَقَبِلَهَا بَعْدَ إثْبَاتِ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ فِي حَقِّهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُعَرَّضٌ لِلْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ بِتَقَادُمِ عَهْدِهَا ‏(‏وَكَذَا قَوْلُهُ لَا أَعْرِفُ الشَّهَادَةَ ثُمَّ يَشْهَدُ‏)‏ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِمَّا قَبْلَهَا‏.‏

‏(‏فَإِنْ رَجَعَ‏)‏ شَاهِدٌ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ حُكْمِهِ بِهَا ‏(‏لَغَتْ‏)‏ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْهَا يُوجِبُ ظَنَّ بُطْلَانِهَا وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا مَعَ ظَنِّهِ ‏(‏وَلَا حُكْمَ‏)‏ يَجُوزُ بِشَهَادَةٍ بَعْدَ رُجُوعٍ عَنْهَا وَلَوْ أَدَّاهَا بَعْدُ ‏(‏وَلَمْ يَضْمَنْ‏)‏ رَاجِعٌ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ‏)‏ شَاهِدٌ ‏(‏بِرُجُوعٍ‏)‏ عَنْ شَهَادَتِهِ ‏(‏بَلْ قَالَ لِلْحَاكِمِ تَوَقَّفْ‏)‏ عَنْ الْحُكْمِ ‏(‏فَتَوَقَّفَ‏)‏ الْحَاكِمُ عَنْهُ ‏(‏ثُمَّ أَعَادَهَا‏)‏ أَيْ الشَّهَادَةَ ‏(‏قُبِلَتْ‏)‏ لِاحْتِمَالِ زَوَالِ رِيبَةٍ عَرَضَتْ لَهُ وَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا احْتِمَالَانِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِعَادَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ أَوْ‏)‏ رَجَعَ شُهُودُ ‏(‏عِتْقٍ بَعْدَ حُكْمٍ‏)‏ بِشَهَادَتِهِمْ ‏(‏قَبْلَ اسْتِيفَاءِ‏)‏ مَالٍ ‏(‏أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ‏)‏ الْحُكْمُ لِتَمَامِهِ وَوُجُوبِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ، وَرُجُوعُ الشُّهُودِ بَعْدُ الْحُكْمُ لَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُمْ إنْ قَالُوا عَمِدْنَا فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفِسْقِ فَهُمَا مُتَّهَمَانِ بِإِرَادَةِ نَقْضِ الْحُكْمِ كَمَا لَوْ شَهِدَ فَاسِقَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالْفِسْقِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا لَمْ يَلْزَمْ نَقْضُهُ أَيْضًا لِجَوَازِ خَطَئِهِمَا فِي قَوْلِهِمَا الثَّانِي بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْحَالُ ‏(‏وَيَضْمَنُونَ‏)‏ بَدَلَ مَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ الْمَالِ قُبِضَ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ قَائِمًا كَانَ أَوْ تَالِفًا وَقِيمَةُ مَا شَهِدُوا بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفُوهُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ ‏(‏مَا لَمْ يُصَدِّقْهُمْ‏)‏ عَلَى بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ ‏(‏مَشْهُودٌ لَهُ‏)‏ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ وَيَرُدُّ الْمَشْهُودُ لَهُ مَا قَبَضَهُ مِنْ مَالِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلَفَ لِاعْتِرَافِهِ بِأَخْذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَا لَمْ ‏(‏تَكُنْ الشَّهَادَةُ لِاثْنَيْنِ فَبَرَأَ مِنْهُ‏)‏ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ‏(‏قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَا‏)‏ عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا‏.‏

وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى سَيِّدِ عَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ قِيمَتُهُ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ شَيْئًا ‏(‏وَلَوْ قَبَضَهُ‏)‏ أَيْ الدَّيْنَ الْمَشْهُودَ بِهِ ‏(‏مَشْهُودٌ لَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ لِمَشْهُودٍ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا‏)‏ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِهِ ‏(‏غَرِمَاهُ‏)‏ كَمَا لَوْ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ هِبَتِهَا إيَّاهُ لِلزَّوْجِ ‏(‏وَلَا يَغْرَمُ مُزَكٍّ‏)‏ شَيْئًا ‏(‏بِرُجُوعِ مُزَكًّى‏)‏ عَنْ شَهَادَتِهِ لِمَشْهُودٍ بَعْدَ الْحُكْمِ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ‏.‏

بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لَا الْمُزَكِّينَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِظَاهِرِ الْحَالِ، وَأَمَّا بَاطِنُهُ فَعِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

‏(‏وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ حُكْمِ شُهُودِ طَلَاقٍ‏)‏ بَعْدَ دُخُولٍ ‏(‏فَلَا غُرْمَ‏)‏ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَرِّرُوا عَلَيْهِ شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمْ لِتَقَرُّرِهِ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ وَلَمْ يُخْرِجُوا عَنْ مِلْكِهِ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا كَمَنْ قَتَلَهَا وَكَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ ‏(‏إلَّا‏)‏ إنْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِالطَّلَاقِ ‏(‏قَبْلَ الدُّخُولِ‏)‏ أَيْ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ ‏(‏نِصْفَ الْمُسَمَّى أَوْ‏)‏ يَغْرَمُونَ ‏(‏بَدَلَهُ‏)‏ أَيْ بَدَلَ مَهْرِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَهُوَ الْمُتْعَةُ لِأَنَّ الشُّهُودَ أَلْزَمُوهُ لِلزَّوْجِ بِشَهَادَتِهِمْ بِطَلَاقِهَا كَمَا يَغْرَمُ ذَلِكَ مَنْ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا بِنَحْوِ رِضَاعٍ قَبْلَ دُخُولٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ‏)‏ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْقِنَّ وَآخَرَانِ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ وَنَحْوَهُ ثُمَّ حُكِمَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ ‏(‏رَجَعَ شُهُودُ الْقَرَابَةِ وَشُهُودُ الشِّرَاءِ‏)‏ عَنْ شَهَادَتِهِمْ ‏(‏فَالْغُرْمُ‏)‏ لَقِيمَةِ الْعَتِيقِ ‏(‏عَلَى شُهُودِ الْقَرَابَةِ‏)‏ لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِعِتْقِهِ دُونَ شُهُودِ الشِّرَاءِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ قَوَدٍ أَوْ‏)‏ شُهُودُ ‏(‏حَدٍّ بَعْدَ حُكْمٍ‏)‏ بِشَهَادَتِهِمْ ‏(‏وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ‏)‏ قَوَدٍ أَوْ حَدٍّ ‏(‏لَمْ يُسْتَوْفَ‏)‏ قَوَدٌ وَلَا حَدٌّ، لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لَا سَبِيلَ إلَى جَبْرِهَا إذَا اُسْتُوْفِيَتْ بِخِلَافِ الْمَالِ وَلِأَنَّ رُجُوعَهُمْ شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا وَالْقَوَدُ فِي مَعْنَاهُ ‏(‏وَوَجَبَتْ دِيَةُ قَوَدٍ‏)‏ شَهِدُوا بِهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ‏.‏

فَإِذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَيَرْجِعُ غَارِمٌ عَلَى شُهُودٍ ‏(‏وَإِنْ اُسْتُوْفِيَ قَوَدٌ أَوْ حَدٌّ حُكِمَ بِهِ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ قَالُوا أَخْطَأْنَا غَرِمُوا دِيَةَ مَا تَلِفَ‏)‏ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَا دُونَهَا ‏(‏أَوْ أَرْشَ الضَّرْبِ‏)‏ نَصًّا وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْهُ‏.‏

شَيْئًا‏.‏

‏(‏وَيَتَقَسَّطُ الْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ‏)‏ لِحُصُولِ التَّفْوِيتِ مِنْ جَمِيعِهِمْ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جَمَاعَةٌ مَالًا ‏(‏فَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ‏)‏ شَهِدُوا ‏(‏فِي مَالٍ غَرِمَ‏)‏ الرَّجُلُ ‏(‏سُدُسًا وَهُنَّ‏)‏ أَيْ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ ‏(‏الْبَقِيَّةَ‏)‏ كُلُّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ سُدُسٍ ‏(‏وَكَذَا إرْضَاعٌ‏)‏ شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فُرِّقَ بَيْنهمَا قَبْلَ دُخُولٍ ثُمَّ رَجَعُوا وُزِّعَ الصَّدَاقُ عَلَيْهِمْ عَلَى الرَّجُلِ سُدُسُهُ وَعَلَيْهِنَّ الْبَقِيَّةُ سَوِيَّةً لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَلَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ بِزِنًا‏)‏ فَرُجِمَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعُوا ‏(‏أَوْ‏)‏ شَهِدَ ‏(‏أَرْبَعَةٌ‏)‏ بِزِنًا ‏(‏وَاثْنَانِ‏)‏ مِنْ غَيْرِهِمْ ‏(‏بِإِحْصَانِ‏)‏ زَانٍ ‏(‏فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا‏)‏ أَيْ السِّتَّةُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ ‏(‏لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا‏)‏ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِشَهَادَةِ الْجَمِيعِ ‏(‏وَإِنْ كَانُوا‏)‏ أَيْ الشُّهُودُ ‏(‏خَمْسَةً بِزِنًا فَأَخْمَاسًا‏)‏ يَغْرَمُونَ دِيَتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَلَوْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ‏)‏ أَيْ الشُّهُودِ ‏(‏غَرِمَ بِقِسْطِهِ‏)‏ فَعَلَى وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةٍ سُدُسٌ وَمِنْ خَمْسَةٍ خَمْسٌ وَهَكَذَا‏.‏

‏(‏وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنًا وَ‏)‏ شَهِدَ ‏(‏اثْنَانِ مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ‏)‏ وَالزِّنَا ‏(‏ثُلُثَا الدِّيَةِ‏)‏ ثُلُثٌ لِشَهَادَتِهِمَا بِالْإِحْصَانِ وَثُلُثٌ لِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَا ‏(‏وَعَلَى الْآخَرَيْنِ ثُلُثُهُمَا‏)‏ لِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَا وَحْدَهُ ‏(‏فَإِنْ رَجَعَ زَائِدٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ‏)‏ كَأَنْ شَهِدَ خَمْسَةٌ بِزِنًا ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ ‏(‏قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ اُسْتُوْفِيَ‏)‏ حَدُّ الزِّنَا لِبَقَاءِ نِصَابِهِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ ‏(‏وَيُحَدُّ الرَّاجِعُ‏)‏ مِنْهُمْ حَدَّ الْقَذْفِ ‏(‏لِقَذْفِهِ‏)‏ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا ‏(‏وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ زِنًا‏)‏ دُونَ إحْصَانٍ غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً لِأَنَّهُ رُجِمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فَشَرْطٌ لَا مُوجِبٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَجَعَ شُهُودُ ‏(‏إحْصَانٍ‏)‏ فَقَطْ ‏(‏غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً‏)‏ لِحُصُولِ الْقَتْلِ بِشَهَادَتِهِمْ إذْ لَوْلَا ثُبُوتُ الْإِحْصَانِ لَمْ يُقْتَلْ ‏(‏وَرُجُوعُ شُهُودِ تَزْكِيَةٍ كَرُجُوعِ مَنْ زَكَّوْهُمْ‏)‏ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ كِتَابَةٍ غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْكِتَابَةِ ‏(‏قِنًّا وَمُكَاتَبًا‏)‏ لِنَقْصِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْقِنِّ الْحَاصِلِ بِشَهَادَتِهِمْ ‏(‏فَإِنْ عَتَقَ‏)‏ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِهَا ‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِمْ غُرْمُ ‏(‏مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ‏)‏ قِنًّا ‏(‏وَمَالُ كِتَابَةٍ‏)‏ إنْ نَقَصَ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا غُرْمَ ‏(‏وَكَذَا شُهُودٌ بِاسْتِيلَادٍ‏)‏ بِهَا إذَا رَجَعُوا فَيَغْرَمُونَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا قِنًّا وَأُمَّ وَلَدٍ وَبَعْدَ عِتْقٍ كُلَّ قِيمَتِهَا وَلَوْ شَهِدَا بِتَأْجِيلٍ وَحُكِمَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا تَفَاوَتَ مَا بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَأَقَرَّهُ‏.‏

‏(‏وَلَا ضَمَانَ بِرُجُوعِ شُهُودِ كَفَالَةٍ بِنَفْسٍ أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهَا‏)‏ أَيْ الْكَفَالَةِ بِنَفْسٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ رُجُوعٍ عَنْ شَهَادَةٍ ‏(‏أَنَّهَا‏)‏ أَيْ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ ‏(‏زَوْجَتُهُ أَوْ‏)‏ رُجُوعُ شُهُودٍ عَنْ شَهَادَةٍ عَلَى وَلِيِّ دَمٍّ ‏(‏أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمِّ عَمْدٍ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ‏)‏ أَيْ الْمَشْهُودِ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ‏(‏مَالًا‏)‏ قَالَ فِي الْمُبْهِجِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَضَمَّنُ الْمَالَ بِهَرَبِ الْمَكْفُولِ وَالْقَوَدُ قَدْ يَجِبُ بِهِ مَالٌ‏.‏

‏(‏وَمَنْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ الْأُولَى‏)‏ كَأَنْ شَهِدَ بِقَرْضٍ وَحُكِمَ بِهِ ثُمَّ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَفَّاهُ قَبْلُ ‏(‏فَكَرُجُوعٍ‏)‏ عَنْ شَهَادَتِهِ ‏(‏وَأَوْلَى‏)‏ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ فِي شَاهِدٍ فَاسِقٍ قَاسَ بَلَدًا وَكَتَبَ خَطَّهُ بِالصِّحَّةِ فَاسْتَخْرَجَ الْوَكِيلُ عَلَى حُكْمِهِ ثُمَّ قَاسَ وَكَتَبَ خَطَّهُ بِزِيَادَةٍ فَغَرِمَ الْوَكِيلُ الزِّيَادَةَ قَالَ يَضْمَنُ الشَّاهِدُ مَا غَرِمَهُ الْوَكِيلُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِسَبَبِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ أَوْ أَخْطَأَ كَالرُّجُوعِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَرَجَعَ الشَّاهِدُ غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ حُجَّةُ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْيَمِينَ قَوْلُ الْخَصْمِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ فَجَرَى مَجْرَى طَلَبِ الْحُكْمِ‏.‏

وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى آخَرَ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِصَدَاقٍ مُعَيَّنٍ وَآخَرَانِ بِدُخُولِهِ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِصَدَاقِهَا غَرِمَهُ شُهُودُ النِّكَاحِ دُونَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ الْمُسَمَّى‏.‏

وَإِنْ شَهِدَ مَعَ ذَلِكَ آخَرَانِ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَحُكِمَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ عَنْ مِائَةٍ وَآخَرُ عَنْ مِائَتَيْنِ وَالثَّالِثُ عَنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَالرَّابِعُ عَنْ أَرْبَعِمِائَةٍ غَرِمَ كُلٌّ مِنْهُمْ رُبْعَ مَا رَجَعَ عَنْهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ بَعْدَ حُكْمٍ كَفَرَ شَاهِدٌ بِهِ‏)‏ أَيْ الْحُكْمِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَانَ ‏(‏فِسْقُهُمَا أَوْ‏)‏ بَانَ ‏(‏أَنَّهُمَا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبٍ مَحْكُومٍ لَهُ أَوْ‏)‏ بَانَ أَنَّهُمَا ‏(‏عَدُّوا مَحْكُومٍ عَلَيْهِ نُقِضَ‏)‏ الْحُكْمُ لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ فَيَنْقُضُهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ انْتَهَى‏.‏

وَمُقْتَضَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ يَقْضِهِ حَاكِمُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ إثْبَاتِ السَّبَبِ ‏(‏وَرَجَعَ بِمَالٍ‏)‏ قَائِمٍ ‏(‏أَوْ بِبَدَلِهِ‏)‏ إنْ تَلَفَ عَلَى مَحْكُومٍ لَهُ ‏(‏وَ‏)‏ رَجَعَ ‏(‏بِبَدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى عَلَى مَحْكُومٍ لَهُ‏)‏ لِنَقْضِ الْحُكْمِ فَيَرْجِعُ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ ‏(‏وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِتْلَافِ حَيٍّ‏)‏ كَرَجْمٍ فِي زِنًا وَقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ ‏(‏أَوْ بِمَا يَسْرِي إلَيْهِ‏)‏ كَجَلْدٍ فِي شُرْبٍ سَرَى إلَى النَّفْسِ ‏(‏ضَمِنَهُ مُزَكُّونَ إنْ كَانُوا‏)‏ أَيْ الْمُزَكُّونَ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ قَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ، وَشُهُودُ التَّزْكِيَةِ أَلْجَأَ الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ فَلَزِمَهُمْ الضَّمَانُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ مِنْ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ وَلَا عَلَى شَاهِدَيْ الْأَصْلِ لِأَنَّهُمَا مُقِيمَانِ عَلَى أَنَّهُمَا صَادِقَانِ فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنَّمَا الشَّرْعُ مَنَعَ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا بِخِلَافِ الرَّاجِعَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا لِاعْتِرَافِهِمَا بِكَذِبِهِمَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ مُزَكَّوْنَ فَحَاكِمٌ ‏(‏أَوْ كَانُوا‏)‏ أَيْ الْمُزَكُّونَ ‏(‏فَسَقَةً فَحَاكِمٌ‏)‏ يَضْمَنُ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ وَهُوَ حُكْمُهُ‏.‏

وَقَدْ فَرَّطَ بِتَرْكِهِ التَّزْكِيَةَ‏.‏

‏(‏وَإِذَا عَلِمَ حَاكِمٌ بِشَاهِدِ زُورٍ بِإِقْرَارِهِ‏)‏ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ ‏(‏أَوْ بِتَبَيُّنِ كَذِبِهِ يَقِينًا‏)‏ كَأَنْ شَهِدَ بِقَتْلِ زَيْدٍ فَإِذَا هُوَ حَيٌّ أَوْ بِأَنَّ هَذِهِ الْبَهِيمَةَ لِفُلَانٍ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَسِنُّهَا دُونَهَا‏.‏

وَإِنَّ زَيْدًا فَعَلَ كَذَا وَقْتَ كَذَا وَعُلِمَ مَوْتُهُ قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُهُ وَعُلِمَ تَعَمُّدُهُ لِذَلِكَ ‏(‏عَزَّرَهُ‏)‏ حَاكِمٌ ‏(‏وَلَوْ تَابَ‏)‏ كَمَنْ تَابَ مِنْ حَدٍّ بَعْدَ رَفْعِهِ لِحَاكِمٍ وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ‏}‏ وَرَوَى أَبُو بَكْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ‏:‏ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَلَا يَتَقَدَّرُ تَعْزِيرُهُ بَلْ يَكُونُ ‏(‏بِمَا يَرَاهُ‏)‏ حَاكِمٌ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ كَشْفِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا أَوْ مَعْنَاهُ‏)‏ كَحَلْقِ لِحْيَةٍ أَوْ قَطْعِ طَرْفٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ ‏(‏وَطِيفَ بِهِ‏)‏ أَيْ شَاهِدِ الزُّورِ ‏(‏فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَشْتَهِرُ فِيهَا‏)‏ كَإِتْيَانِهِ فِي سُوقِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ وَنَحْوِهَا وَيُنَادِي عَلَيْهِ ‏(‏فَيُقَالُ‏:‏ إنَّا وَجَدْنَاهُ شَاهِدَ زُورٍ فَاجْتَنِبُوهُ‏)‏ وَنَحْوَهُ ‏(‏وَلَا يُعَزَّرُ‏)‏ شَاهِدٌ ‏(‏بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِعَيْنِهَا ‏(‏وَلَا يُغَلِّطُهُ فِي شَهَادَتِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْغَلَطَ قَدْ يَعْرِضُ لِلصَّادِقِ الْعَدْلِ وَلَا يَتَعَمَّدُهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا يُعَزَّرُ شَاهِدٌ ‏(‏بِرُجُوعِهِ‏)‏ عَنْ شَهَادَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجَعَ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ خَطَئِهِ وَلَا يُعَزَّرُ أَيْضًا لِظُهُورِ فِسْقِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ ‏(‏وَمَتَى ادَّعَى شُهُودُ قَوَدٍ خَطَأً عُزِّرُوا‏)‏ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ‏.‏

فصل‏:‏ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ

‏(‏وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ‏)‏ مِنْ نَاطِقٍ ‏(‏إلَّا بِ‏)‏ لَفْظِ ‏(‏أَشْهَدُ أَوْ‏)‏ بِلَفْظِ ‏(‏شَهِدْتُ‏)‏ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ شَهِدَ يَشْهَدُ شَهَادَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِفِعْلِهَا الْمُشْتَقِّ مِنْهُ وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنًى لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِاللِّعَانِ وَتَقَدَّمَ لَوْ أَدَّاهَا أَخْرَسُ بِخَطِّهِ قُبِلَتْ ‏(‏فَلَا يَكْفِي‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏أَنَا شَاهِدٌ‏)‏ بِكَذَا لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا اتَّصَفَ بِهِ كَقَوْلِهِ أَنَا مُتَحَمِّلٌ شَهَادَةً عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا بِخِلَافِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ بِكَذَا فَإِنَّهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ فِعْلِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ ‏(‏وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ أَعْلَمُ أَوْ أَحِقُّ‏)‏ أَوْ أَعْرِفُ أَوْ أَتَحَقَّقُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفِعْلِ الْمُشْتَقِّ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ ‏(‏وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِمَا وَضَعْتُ بِهِ خَطِّي أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏مَنْ تَقَدَّمَهُ غَيْرُهُ‏)‏ بِشَهَادَةٍ ‏(‏أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ‏)‏ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ وَالْإِبْهَامِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَإِنْ قَالَ ‏(‏وَبِذَلِكَ أَشْهَدُ أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏كَذَلِكَ أَشْهَدُ صَحَّ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَطْ‏)‏ لِاتِّضَاحِ مَعْنَاهُ فِي النُّكَتِ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي الْجَمْعِ أَوْلَى‏.‏

باب‏:‏ اليمين في الدعاوى

أي صفتها وما يجب فيه وما يتعلق به ‏(‏وَهِيَ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ حَالًا‏)‏ أَيْ عِنْدَ النِّزَاعِ ‏(‏وَلَا تُسْقِطُ حَقًّا‏)‏ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بَعْدَهَا وَإِنْ رَجَعَ حَالِفٌ وَأَدَّى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ قُبِلَ مِنْهُ وَحَلَّ لِمُدَّعٍ أَخْذُهُ ‏(‏وَيُسْتَحْلَفُ مُنْكِرٌ‏)‏ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي دَعْوَى صَحِيحَةٍ ‏(‏فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏‏.‏

‏(‏غَيْرَ نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَطَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ‏)‏ إلَّا إذَا أَنْكَرَ مُولٍ مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ ‏(‏وَأَصْلُ رِقٍّ كَدَعْوَى رِقِّ لَقِيطٍ‏)‏ وَمَجْهُولِ نَسَبٍ فَلَا يُسْتَحْلَفُ إذَا أَنْكَرَ ‏(‏وَ‏)‏ غَيْرُ ‏(‏وَلَاءٍ وَاسْتِيلَادِ‏)‏ فَسَّرَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ فَتُنْكِرَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَلْ هِيَ الدَّعِيَّةُ ‏(‏وَنَسَبٍ وَقَذْفٍ وَقِصَاصٍ فِي غَيْرِ قَسَامَةٍ‏)‏ فَلَا يَمِينَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لِأَنَّهَا لَا يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ‏.‏

‏(‏وَيُقْضَى فِي مَالٍ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ بِنُكُولِهِ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرُ ذَلِكَ يُخْلَى سَبِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي اللِّعَانِ إذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ وَنَكَلَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا أَوْ تُلَاعِنَ وَتَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَلَا يُسْتَحْلَفُ‏)‏ مُنْكِرٌ ‏(‏فِي حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ‏)‏ زِنًا أَوْ شُرْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ قُبِلَ مِنْهُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ بِلَا يَمِينٍ فَلِئَلَّا يُسْتَحْلَفَ مَعَ عَدَمِ الْإِقْرَارِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ سِتْرُهُ وَالتَّعْرِيضُ لِلْمُقِرِّ بِهِ لِيَرْجِعَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهُزَالٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ ‏"‏ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَك ‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي ‏(‏عِبَادَةٍ‏)‏ كَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏صَدَقَةِ‏)‏ زَكَاةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ‏)‏ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَشْبَهَ الْحَدَّ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُسْتَحْلَفُ ‏(‏شَاهِدٌ‏)‏ أَنْكَرَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ أَوْ شَهِدَ وَطَلَبَ يَمِينَهُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ فَلَا يَحْلِفُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏حَاكِمٌ‏)‏ أَنْكَرَ أَنَّهُ حَكَمَ وَطُلِبَ يَمِينُهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِحَقٍّ ‏(‏وَلَا وَصِيٌّ عَلَى نَفْيِ دَيْنٍ عَلَى مُوصِيهِ وَلَا‏)‏ يُسْتَحْلَفُ ‏(‏مُدَّعًى عَلَيْهِ بِقَوْلِ مُدَّعٍ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَلَّفَنِي أَنِّي مَا أُحَلِّفُهُ وَلَا‏)‏ يُسْتَحْلَفُ ‏(‏مُدَّعٍ طَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ فَقَالَ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُقْضَى فِيهِ بِنُكُولٍ فَلَا فَائِدَةَ بِإِيجَابِ الْيَمِينِ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ادَّعَى وَصِيٌّ وَصِيَّةً لِلْفُقَرَاءِ فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ‏)‏ أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ وَصَّى بِهَا ‏(‏حَلَفُوا‏)‏ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ‏(‏فَإِنْ نَكَلُوا‏)‏ عَنْ الْيَمِينِ ‏(‏قَضَى عَلَيْهِمْ‏)‏ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِمَالٍ ‏(‏وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ‏)‏ كَأَنْ ادَّعَى أَنَّ زَيْدًا أَغَصَبَهُ نَحْوَ ثَوْبٍ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَنَحْوَهُ فَأَنْكَرَ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا بِدَعْوَاهُ وَأَرَادَ الْحَلِفَ مَعَهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ عَلَى ‏(‏دَعْوَى عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ عَلَى غَيْرِهِ ‏(‏فِي إثْبَاتٍ‏)‏ كَأَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى زَيْدٍ مِنْ نَحْوِ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ أَرْشٍ وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَأَرَادَ الْحَلِفَ مَعَهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ عَلَى ‏(‏فِعْلِ نَفْسِهِ‏)‏ كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ إنْسَانٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَنَحْوَهُ شَيْئًا فَأَنْكَرَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ عَلَى الدَّعْوَى عَلَيْهِ كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ وَأَرَادَ يَمِينَهُ ‏(‏حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ‏)‏ أَيْ الْقَطْعِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ حَلَّفَهُ‏:‏ قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَالَهُ عِنْدِي شَيْءٌ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِنْهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِيَدِهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَا يَكْفِي وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهَا مِلْكِي‏.‏

‏(‏وَمَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ‏)‏ كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ أَبَاهُ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ كَذَا فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ عَلَى ‏(‏نَفْيِ دَعْوَى عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ عَلَى غَيْرِهِ كَأَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مُوَرِّثِهِ فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّهُ يَحْلِفُ ‏(‏عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ‏)‏ لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَلَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لَا وَلَكِنْ أُحَلِّفُهُ وَاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَرْضِي اغْتَصَبَهَا أَبُوهُ فَتَهَيَّأَ الْكِنْدِيُّ لِلْيَمِينِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَأَقَرَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُهُ الْإِحَاطَةُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ نَفْسِهِ فَتَكْلِيفُهُ الْيَمِينَ عَلَى الْبَتِّ حَمْلٌ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ‏.‏

‏(‏وَرَقِيقُهُ كَأَجْنَبِيٍّ فِي حَلِفِهِ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ‏)‏ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ عَبْدَ زَيْدٍ جَنَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ رَبُّهُ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ جَنَى عَلَى الْمُدَّعِي ‏(‏وَأَمَّا بَهِيمَتُهُ‏)‏ إذَا ادَّعَى أَنَّهَا جَنَتْ ‏(‏فَمَا يُنْسَبُ‏)‏ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏إلَى تَقْصِيرٍ أَوْ تَفْرِيطٍ‏)‏ فِيهِ كَمَنْ ادَّعَى أَنَّ بَهَائِمَ زَيْدٍ أَفْسَدَتْ زَرْعَهُ لَيْلًا لِتَرْكِهِمَا بِلَا حَبْسٍ فَأَنْكَرَ رَبُّهَا ذَلِكَ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّهُ يَحْلِفُ ‏(‏عَلَى الْبَتِّ‏)‏ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ وَلَا فَرَّطَ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُنْسَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ بَهِيمَتِهِ إلَى تَقْصِيرٍ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّهُ يَحْلِفُ ‏(‏عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ‏)‏ كَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَاكِبِ بَهِيمَةٍ أَوْ سَائِقِهَا أَوْ قَائِدِهَا أَنَّهَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِوَطْئِهَا بِيَدِهَا فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَلَفَ لِجَمَاعَةٍ‏)‏ ادَّعَوْا عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ نَحْوَهُ ‏(‏حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينَهَا‏)‏ لِأَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمْ غَيْرُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ ‏(‏مَا لَمْ يَرْضُوا‏)‏ جَمِيعُهُمْ ‏(‏بِ‏)‏ يَمِينٍ ‏(‏وَاحِدَةٍ‏)‏ فَيَكْتَفِي بِهَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَقَدْ رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ فَسَقَطَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُمْ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بَعْضًا كَالْحُقُوقِ إذَا قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ لِجَمَاعَةٍ لَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْضُ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ ادَّعَى وَاحِدٌ حُقُوقًا عَلَى وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَمِينٌ إلَّا أَنْ تَتَّحِدَ الدَّعْوَى فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْمُبْدِعِ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اليمين بالله تعالى وَحْدَهُ‏]‏

وَتُجْزِئُ الْيَمِينُ ‏(‏بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا‏}‏‏.‏

وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ فَقَدْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ جَهْدَ الْيَمِينِ وَاسْتَحْلَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ فِي الطَّلَاقِ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً وَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ تَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتَهُ وَمَا بِهِ دَاءٌ تَعْلَمُهُ وَلِأَنَّ فِي اللَّهِ كِفَايَةً فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِاسْمِهِ فِي الْيَمِينِ ‏(‏وَلِحُكْمِ تَغْلِيظِهَا فِيمَا فِيهِ خَطَرٌ‏)‏ أَيْ مِثْلُ الْغُلُوِّ كَالْخَطِيرِ ‏(‏كَجِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ قَوَدًا وَعِتْقًا وَنِصَابَ زَكَاةٍ‏)‏ لَا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَتَغْلِيظُهَا يَكُونُ ‏(‏بِلَفْظِ كَوَ اللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ‏)‏ أَيْ الْقَاهِرِ ‏(‏الضَّارِّ النَّافِعِ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ‏)‏ أَيْ مَا يُضْمَرُ فِي النَّفْسِ وَيَكُفُّ عَنْهُ اللِّسَانُ وَيُومِئُ إلَيْهِ بِالْعَيْنِ‏.‏

‏(‏وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ‏)‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَأَيْتُهُمْ يُؤَكِّدُونَ الْيَمِينَ بِالْمُصْحَفِ وَرَأَيْتُ ابْنَ مَازِنٍ قَاضِي صَنْعَاءَ يَلْفِظُ الْيَمِينَ بِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا تُتْرَكُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفِعْلِ ابْنِ مَازِنٍ وَلَا غَيْرِهِ ‏(‏وَيَقُولُ يَهُودِيٌّ‏)‏ غُلِّظَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ ‏(‏وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ وَأَنْجَاهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ وَيَقُولُ نَصْرَانِيٌّ‏)‏ غُلِّظَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ ‏(‏وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيَقُولُ مَجُوسِيٌّ وَوَثَنِيٌّ‏)‏ فِي التَّغْلِيظِ بِاللَّفْظِ ‏(‏وَاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَصَوَّرَنِي وَرَزَقَنِي‏)‏ لِأَنَّهُ يُعَظِّمُ‏.‏

خَالِقَهُ وَرَازِقَهُ أَشْبَهَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ ‏(‏وَيَحْلِفُ صَابِئٌ‏)‏ يُعَظِّمُ النُّجُومَ ‏(‏وَمَنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِاَللَّهِ تَعَالَى‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ التَّغْلِيظُ بِزَمَنٍ ك ‏(‏بَعْدِ الْعَصْرِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ‏}‏ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَيْ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَلِفِعْلِ أَبِي مُوسَى وَتَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ بَيْنَ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ وَقْتٌ تُرْجَى فِيهِ إجَابَةُ الدُّعَاءِ فَتُرْجَى فِيهِ مُعَاجَلَةُ الْكَاذِبِ بِالْعُقُوبَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ التَّغْلِيظُ ‏(‏بِمَكَانِ فَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ‏)‏ لِزِيَادَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْفَضِيلَةِ ‏(‏وَبِالْقُدْسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ‏)‏ لِفَضِيلَتِهَا‏.‏

وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مَرْفُوعًا مِنْ الْجَنَّةِ ‏(‏وَبَقِيَّةِ الْبِلَادِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ‏)‏ لِحَدِيثِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ‏}‏ وَقِيسَ عَلَيْهِ بَاقِي مَنَابِرِ الْمَسَاجِدِ ‏(‏وَبِحَلِفِ ذِمِّيٍّ بِمَوْضِعٍ يُعَظِّمُهُ‏)‏ كَمَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِالزَّمَانِ‏.‏

قَالَ الشَّعْبِيُّ لِنَصْرَانِيٍّ‏:‏ اذْهَبْ إلَى الْبَيْعَةِ‏.‏

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ فِي نَصْرَانِيٍّ‏:‏ اذْهَبُوا بِهِ إلَى الْمَذْبَحِ ‏(‏زَادَ بَعْضُهُمْ وَ‏)‏ تُغَلَّظُ ‏(‏بِهَيْئَةٍ كَتَحْلِيفِهِ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ‏)‏ كَاللِّعَانِ ‏(‏وَمَنْ أَبَى تَغْلِيظًا‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ مَا أَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ فَقَطْ ‏(‏لَمْ يَكُنْ نَاكِلًا‏)‏ عَنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ ‏(‏وَإِنْ رَأَى حَاكِمٌ تَرْكَهُ‏)‏ أَيْ التَّغْلِيظَ ‏(‏فَتَرَكَهُ كَانَ مُصِيبًا‏)‏ لِمُوَافَقَتِهِ مُطْلَقَ النَّصِّ، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَحَلَفَ وَقَالَ‏:‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ أُعِيدَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُزِيلُ حُكْمَهَا، وَكَذَا إنْ وَصَلَ يَمِينَهُ بِشَرْطٍ أَوْ كَلَامٍ غَيْرِ مَعْهُودٍ وَتَقَدَّمَ‏.‏

كِتَابُ‏:‏ الْإِقْرَارِ

وَهُوَ الِاعْتِرَافُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَقَرِّ وَهُوَ الْمَكَانُ، كَأَنَّ الْمُقِرَّ جَعَلَ الْحَقَّ فِي مَوْضِعِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْحَقِّ عَلَى وَجْهٍ مَنْفِيَّةٍ مِنْهُ التُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ عَلَى نَفْسِهِ كَذِبًا يَضُرُّهَا، فَلِهَذَا قُدِّمَ عَلَى الشَّهَادَةِ فَلَا تُسْمَعُ مَعَ إقْرَارِ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَلَوْ أَكْذَبَ مُدَّعٍ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ وَلَوْ أَنْكَرَ‏.‏

ثُمَّ أَقَرَّ سُمِعَ إقْرَارُهُ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْإِقْرَارُ شَرْعًا ‏(‏إظْهَارُ مُكَلَّفٍ‏)‏ لَا صَغِيرٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ لَهُ وَمَجْنُونٍ لِحَدِيثِ ‏{‏رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ‏}‏ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فَلَمْ يَصِحَّ كَفِعْلِهِ ‏(‏مُخْتَارٍ‏)‏ لِمَفْهُومِ ‏{‏عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ‏}‏، وَكَالْبَيْعِ ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ حَقًّا ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏بِلَفْظٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ أَوْ‏)‏ إظْهَارِ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ مَا ‏(‏عَلَى مُوَكِّلِهِ‏)‏ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَا عَلَى ‏(‏مُوَلِّيهِ‏)‏ مِمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَإِقْرَارِهِ بِبَيْعِ عَيْنِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَا عَلَى ‏(‏مُوَرِّثِهِ بِمَا‏)‏ أَيْ شَيْءٍ ‏(‏يُمْكِنُ صِدْقُهُ‏)‏ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَسِنُّهُ عِشْرُونَ فَمَا دُونَهَا ‏(‏وَلَيْسَ‏)‏ الْإِقْرَارُ ‏(‏بِإِنْشَاءٍ‏)‏ بَلْ إخْبَارٍ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ‏(‏فَيَصِحُّ‏)‏ الْإِقْرَارُ ‏(‏وَلَوْ مَعَ إضَافَةِ‏)‏ الْمُقِرِّ ‏(‏الْمِلْكَ إلَيْهِ‏)‏ كَقَوْلِهِ ‏"‏ عَبْدِي هَذَا وَدَارِي لِزَيْدٍ ‏"‏ إذْ الْإِضَافَةُ تَكُونُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَلَا تُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَلَوْ ‏(‏مِنْ سَكْرَانَ‏)‏ وَكَذَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ كَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُهُ عَمْدًا بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ كَطَلَاقِهِ وَبَيْعِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏أَخْرَسَ بِإِشَارَةٍ مَعْلُومَةٍ‏)‏ لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ كَكِتَابَتِهِ‏.‏

وَلَا يَصِحُّ مِنْ نَاطِقٍ بِإِشَارَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏صَغِيرٍ‏)‏ مُمَيِّزٍ ‏(‏أَوْ قِنٍّ أُذِنَ لَهُمَا فِي تِجَارَةٍ فِي قَدْرِ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ‏)‏ مِنْ الْمَالِ لِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا فِيهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ ‏(‏مُكْرَهٍ عَلَيْهِ‏)‏ لِلْخَبَرِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ ‏(‏بِإِشَارَةِ مُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ كَالنَّاطِقِ لِكَوْنِهِ يُرْتَجَى نُطْقُهُ وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَكُونَ ‏(‏بِمُتَصَوَّرٍ مِنْ مُقِرٍّ الْتِزَامُهُ‏)‏ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِمَا يُمْكِنُ صِدْقُهُ فَلَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ نَسَبُهُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَهُوَ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرَ مِنْهُ وَنَحْوَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إقْرَارِهِ ‏(‏بِشَرْطِ كَوْنِهِ‏)‏ إنْ كَانَ عَيْنًا ‏(‏بِيَدِهِ‏)‏ أَيْ الْمُقِرِّ ‏(‏وَوِلَايَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ‏)‏ أَيْ أَوْ وَوِلَايَتِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ و‏(‏لَا‏)‏ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ بِهِ ‏(‏مَعْلُومًا‏)‏ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ وَيَأْتِي‏.‏

‏(‏وَتُقْبَلُ‏)‏ مِنْ مُقِرٍّ وَنَحْوِهِ ‏(‏دَعْوَى إكْرَاهٍ‏)‏ عَلَى إقْرَارٍ ‏(‏بِقَرِينَةٍ‏)‏ دَالَّةٍ عَلَى إكْرَاهٍ ‏(‏كَتَوْكِيلٍ بِهِ‏)‏ أَيْ تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ أَوْ سِجْنِهِ ‏(‏أَوْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ تَهْدِيدِ قَادِرٍ‏)‏ عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ وَنَحْوِهِ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ فِي النُّكَتِ‏:‏ وَعَلَى هَذَا تَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَتْبُ حُجَّةٍ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالِ‏.‏

وَقَالَ الْأَزَجِيُّ‏:‏ ‏"‏ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَمَارَةِ الْإِكْرَاهِ اسْتَفَادَ بِهَا أَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ ‏(‏وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ إكْرَاهٍ عَلَى‏)‏ بَيِّنَةِ ‏(‏طَوَاعِيَةٍ‏)‏ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَةِ الْإِكْرَاهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ ‏(‏وَلَوْ قَالَ مَنْ‏)‏ أَيْ مُقِرٌّ ‏(‏ظَاهِرُ الْإِكْرَاهِ‏)‏ لِتَوْكِيلٍ وَنَحْوَهُ ‏(‏عَلِمْتُ أَنِّي لَوْ لَمْ أُقِرَّ أَيْضًا أَطْلَقُونِي فَلَمْ أَكُنْ مُكْرَهًا لَمْ يَصِحَّ‏)‏ مِنْهُ ذَلِكَ ‏(‏لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْهُ فَلَا يُعَارَضُ بِيَقِينِ الْإِكْرَاهِ‏)‏ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ طَوْعًا وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ تَقَدَّمَ إلَى سُلْطَانٍ فَهَدَّدَهُ فَيُدْهَشُ فَيُقِرُّ فَيُؤْخَذُ بِهِ فَيَرْجِعُ وَيَقُولُ‏:‏ هَدَّدَنِي وَدُهِشْتُ يُؤْخَذُ‏.‏

وَمَا عَلِمَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْجَزَعِ وَالْفَزَعِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ بِدِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِدِينَارٍ أَوْ‏)‏ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ ‏(‏لِزَيْدٍ فَأَقَرَّ لِعَمْرٍو‏)‏ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِدَارٍ فَأَقَرَّ بِدَابَّةٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ أَقَرَّ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ صَحَّ إقْرَارُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أُكْرِهَ ‏(‏عَلَى وَزْنِ مَالٍ‏)‏ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏فَبَاعَ دَارِهِ وَنَحْوَهَا‏)‏ كَثَوْبٍ ‏(‏فِي ذَلِكَ‏)‏ الْمَالِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِهِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْبَيْعُ نَصًّا لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ ‏(‏وَكُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَيْهِ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ إقْرَارُ صَبِيٍّ أَنَّهُ بَلَغَ بِاحْتِلَامٍ إذَا بَلَغَ عَشْرًا‏)‏ مِنْ السِّنِينَ يَعْنِي تَمَّتْ لَهُ وَمِثْلُهُ جَارِيَةٌ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ‏.‏

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ‏:‏ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَلَغَ بِاحْتِلَامٍ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ صُدِّقَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي إذَا لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ‏(‏وَلَا يُقْبَلُ‏)‏ قَوْلُهُ أَنَّهُ بَلَغَ ‏(‏بِسِنٍّ‏)‏ أَيْ تَمَّ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ‏(‏إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عِلْمُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ ‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ مَنْ جَهِلَ بُلُوغَهُ حَالَ إقْرَارِهِ ‏(‏بِمَالٍ وَقَالَ بَعْدَ‏)‏ تَيَقُّنِ ‏(‏بُلُوغِهِ لَمْ أَكُنْ حِينَ إقْرَارِي بَالِغًا لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ كُنْتُ حِينَ الْبَيْعِ صَبِيًّا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لِي وَنَحْوَهُ، وَأَنْكَرَ مُشْتَرٍ وَتَقَدَّمَ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ فَادَّعَى أَنَّهُ بَالِغٌ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ إلَى حِينِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالْبُلُوغِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنْ ارْتَجَعَهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَذَا يَجِيءُ فِي كُلِّ مَنْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ حَقٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِثْلُ الْإِسْلَامِ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ، أَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ وَكَانَ رَشِيدًا أَوْ بَعْدَ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ شَكَّ فِي بُلُوغِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ بُلُوغَهُ حَالَ الشَّكِّ صُدِّقَ‏)‏ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرُ ‏(‏بِلَا يَمِينٍ‏)‏ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِعَدَمِ بُلُوغِهِ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى‏)‏ مَنْ أَنْبَتَ وَقَدْ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ وَنَحْوَهُ أَوْ لَا ‏(‏أَنَّهُ أَنْبَتَ بِعِلَاجٍ أَوْ دَوَاءٍ لَا بِبُلُوغٍ لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ مِنْهُ ذَلِكَ وَحُكِمَ بِبُلُوغِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ ادَّعَى جُنُونًا‏)‏ حَالَ إقْرَارِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ طَلَاقِهِ وَنَحْوِهِ لِإِبْطَالِ مَا وَقَعَ مِنْهُ ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ مِنْهُ ذَلِكَ ‏(‏إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏)‏ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَقَالَ الْأَزَجِيُّ‏:‏ يُقْبَلُ إنْ عُهِدَ مِنْهُ جُنُونٌ فِي بَعْضِ أَوَانِهِ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ قَبُولُهُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَالْمَرِيضُ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِوَارِثٍ‏)‏ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ صُورَةِ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ هَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ هَذَا وَارِثِي وَلَا يَذْكُرُ سَبَبَ إرْثِهِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ ابْنِي أَوْ مَوْلَايَ فَيَذْكُرُ سَبَبَ الْإِرْثِ، وَحِينَئِذٍ إذَا كَانَ نَسَبًا اُعْتُبِرَ بِالْإِمْكَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَأَنْ لَا يَدْفَعَ نَسَبًا انْتَهَى‏.‏

قُلْتُ‏:‏ تَقَدَّمَ عَنْ الْأَزَجِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ وَارِثُهُ بِلَا بَيَانِ سَبَبٍ لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ إرْثُهُ بِالرَّحِمِ وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى أَصْلِنَا‏.‏

فَالْإِقْرَارُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ‏(‏بِأَخْذِ دَيْنٍ مِنْ غَيْرِ وَارِثِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ إقْرَارُهُ ‏(‏بِمَالٍ لَهُ‏)‏ أَيْ لِغَيْرِ وَارِثِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ بِمَا يُرَادُ مِنْهُ وَتَحَرَّى الصِّدْقَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِوَارِثٍ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ ‏(‏وَلَا يُحَاصُّ مُقَرٌّ لَهُ‏)‏ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ‏(‏غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ‏)‏ أَيْ مَنْ أَقَرَّ لَهُمْ حَالَ صِحَّتِهِ، بَلْ يَبْدَأُ بِهِمْ سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِلُزُومِهِ لَهُ قَبْلَ الْمَرَضِ أَوْ بَعْدَهُ لِإِقْرَارِهِ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِتَرِكَتِهِ كَإِقْرَارِ مُفْلِسٍ بِدَيْنٍ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ‏(‏لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ‏)‏ مَرِيضٌ ‏(‏فِي مَرَضِهِ بِعَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ أَوْ عَكْسِهِ‏)‏ بِأَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِعَيْنٍ ‏(‏فَرَبُّ الْعَيْنِ أَحَقُّ بِهَا‏)‏ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِهَا فَهُوَ أَقْوَى وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا لَمْ يَصِحَّ وَمُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ رَبِّهَا‏.‏

‏(‏وَلَوْ أَعْتَقَ‏)‏ مَرِيضٌ مَرَضَ مَوْتٍ مَخُوفٍ ‏(‏عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ نَفَذَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ‏)‏ لِلْعَبْدِ ‏(‏وَلَمْ يُنْقَضَا بِإِقْرَارِهِ بَعْدُ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُنَجَّزٌ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالٍ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا فَلَا يَنْقُضُهُ مَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَنْقُضْ الدَّيْنُ عِتْقَهُ وَهِبَتَهُ كَالصَّحِيحِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ الْمَرِيضُ ‏(‏بِمَالٍ لِوَارِثٍ لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ إقْرَارُهُ بِهِ ‏(‏إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إجَازَةِ‏)‏ بَاقِي ‏(‏الْوَرَثَةِ‏)‏ كَالْعَطِيَّةِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهُ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ إنْ كَانَ حَقًّا وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ ‏(‏فَلَوْ أَقَرَّ‏)‏ الْمَرِيضُ ‏(‏لِزَوْجَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا لَزِمَهُ‏)‏ نَصًّا ‏(‏بِالزَّوْجِيَّةِ‏)‏ إلَّا بِمُقْتَضَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَهْرِ وَوُجُوبِهِ عَلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ فَأَخْبَرَ بِبَقَائِهِ بِذِمَّتِهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ ‏(‏بِإِقْرَارِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِوَارِثٍ وَإِنْ أَقَرَّ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا رَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ أَوْ يُجِيزُوا لَهَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ الْمَرِيضُ ‏(‏لَهَا‏)‏ أَيْ لِزَوْجَتِهِ ‏(‏بِدَيْنٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا‏)‏ أَوَّلًا ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ إقْرَارُهُ لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا لَوْ بَيَّنَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّتْ‏)‏ مَرِيضَةٌ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ‏(‏أَنَّهَا لَا مَهْرَ لَهَا‏)‏ أَيْ عَلَى زَوْجِهَا ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ إقْرَارُهَا لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لِوَارِثٍ فِي الْمَرَضِ فَلِوَرَثَتِهَا مُطَالَبَتُهُ بِمَهْرِهَا ‏(‏إلَّا أَنْ يُقِيمَ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ‏)‏ أَيْ الْمَهْرِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِ ‏(‏إسْقَاطِهِ‏)‏ بِنَحْوِ حَوَالَةٍ وَكَذَا بِإِبْرَاءٍ فِي غَيْرِ مَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ ‏(‏وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ دَيْنٍ ثَابِتٍ عَلَى وَارِثٍ‏)‏ إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِبَرَاءَتِهِ مِنْهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَدِينُ بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ أَوْ إسْقَاطِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ ‏(‏لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ صَحَّ‏)‏ إقْرَارُهُ ‏(‏لَلْأَجْنَبِيِّ‏)‏ بِحِصَّتِهِ دُونَ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِلَفْظَتَيْنِ أَوْ كَمَا لَوْ جَحَدَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْهَا وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْتَبَرْ لَهُ الْعَدَالَةُ وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ كَإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ فَتَبِينُ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِ الْعِوَضِ ‏(‏وَالِاعْتِبَارُ‏)‏ يَكُونُ الْمُقِرُّ لَهُ وَارِثَهُ أَوْ لَا ‏(‏بِحَالَةِ إقْرَارِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ قَوْلٌ تُعْتَبَرُ فِيهِ التُّهْمَةُ فَاعْتُبِرَتْ حَالَ وُجُودِهِ كَالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَالْعَطِيَّةِ فَالِاعْتِبَارُ فِيهِمَا بِوَقْتِ الْمَوْتِ وَتَقَدَّمَ ‏(‏فَلَوْ أَقَرَّ‏)‏ بِمَالٍ ‏(‏لِوَارِثٍ‏)‏ حَالَ إقْرَارِهِ ‏(‏فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ‏)‏ كَمَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ فَحَدَثَ لَهُ ابْنٌ أَوْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْ‏)‏ إقْرَارُهُ لِاقْتِرَانِ التُّهْمَةِ بِهِ حِينَ وُجُودِهِ فَلَا يَنْقَلِبُ لَازِمًا‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ الْمَرِيضُ ‏(‏لِغَيْرِ وَارِثٍ‏)‏ كَأَخِيهِ مَعَ ابْنِهِ ‏(‏لَزِمَ‏)‏ إقْرَارُهُ ‏(‏وَلَوْ صَارَ‏)‏ الْمُقِرُّ لَهُ ‏(‏وَارِثًا‏)‏ بِأَنْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْمُقِرِّ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِأَخٍ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ مُقِرٍّ لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَهْلِهِ خَالِيًا مِنْ التُّهْمَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ بِإِحْبَالِ أَمَتِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ‏.‏

فصل‏:‏ إقرار القن

وَإِنْ أَقَرَّ قِنٌّ وَلَوْ آبِقًا حَالَ إقْرَارِهِ ‏(‏بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَمُوجِبِ تَعْزِيرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ ‏(‏صَحَّ‏)‏ إقْرَارُهُ ‏(‏وَأُخِذَ‏)‏ الْقِنُّ ‏(‏بِهِ فِي الْحَالِ‏)‏ لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ بَدَنِهِ وَهُوَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ لِأَنَّ سَيِّدَهُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَّا الْمَالَ وَلِحَدِيثِ ‏{‏الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ‏}‏ وَمَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ شَيْءٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ ‏(‏مَا لَمْ يَكُنْ الْقَوَدُ فِي نَفْسٍ‏)‏ وَيُكَذِّبُهُ سَيِّدُهُ ‏(‏فَ‏)‏ يُؤْخَذُ بِهِ ‏(‏بَعْدَ عِتْقٍ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ سَيِّدِهِ أَشْبَهَ إقْرَارَهُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لِإِنْسَانٍ لِيَعْفُوَ عَنْهُ وَيَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ فَيَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ ‏(‏فَطَلَبَ جَوَابَ دَعْوَاهُ‏)‏ أَيْ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْقِنِّ ‏(‏وَمِنْ سَيِّدِهِ جَمِيعًا‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ‏(‏وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ‏)‏ أَيْ الْقِنِّ ‏(‏عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَا يُوجِبُ مَالًا فَقَطْ‏)‏ كَالْعُقُوبَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِ نَفْسِ الْمُقِرِّ أَشْبَهَ إقْرَارَ غَيْرِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ إقْرَارِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ مَالًا لِإِيجَابِ حَقٍّ فِي مَالِ السَّيِّدِ فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ‏.‏

وَفِي الْكَافِي إنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِقَوَدٍ عَلَى الْعَبْدِ وَجَبَ الْمَالُ وَيَفْدِي السَّيِّدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ قِنٌّ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ بِمَالٍ أَوْ بِمَا يُوجِبُهُ‏)‏ أَيْ الْمَالَ كَجِنَايَةِ خَطَأٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ وَعَارِيَّةٍ وَقَرْضٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَقَرَّ قِنٌّ ‏(‏مَأْذُونٌ لَهُ‏)‏ فِي تِجَارَةٍ ‏(‏بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالتِّجَارَةِ فَكَ‏)‏ إقْرَارِ ‏(‏مَحْجُورٍ عَلَيْهِ‏)‏ لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا ‏(‏يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ‏)‏ نَصًّا عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُفْلِسِ ‏(‏وَمَا صَحَّ إقْرَارُ قِنٍّ بِهِ‏)‏ كَحَدٍّ وَقَوَدٍ وَطَلَاقٍ ‏(‏فَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ‏)‏ دُونَ سَيِّدِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَصِحَّ إقْرَارُ قِنٍّ بِهِ كَاَلَّذِي يُوجِبُ مَالًا ‏(‏فَسَيِّدُهُ‏)‏ الْخَصْمُ فِيهِ وَالْقَوَدُ فِي النَّفْسِ هُمَا خَصْمَانِ فِيهِ كَمَا سَبَقَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ مُكَاتَبٌ بِجِنَايَةٍ‏)‏ أَيْ بِأَنَّهُ جَنَى ‏(‏تَعَلَّقَتْ‏)‏ الْجِنَايَةُ أَيْ أَرْشُهَا ‏(‏بِذِمَّتِهِ وَرَقَبَتِهِ‏)‏ جَمِيعًا فَإِنْ عَتَقَ اُتُّبِعَ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِلَّا فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ كَمَا لَوْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ ‏(‏وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبِ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ بِذَلِكَ أَيْ بِأَنَّهُ جَنَى لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ أَقَرَّ ‏(‏قِنٌّ بِسَرِقَةِ مَالِ سَيِّدِهِ‏)‏ أَيْ الْقَنِّ ‏(‏وَكَذَّبَهُ سَيِّدُهُ‏)‏ فِي إقْرَارِهِ ‏(‏قُبِلَ‏)‏ إقْرَارُهُ ‏(‏فِي قَطْعِ‏)‏ يَدِهِ فِي السَّرِقَةِ بِشَرْطِهِ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏دُونَ مَالٍ‏)‏ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ سَيِّدِهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُعْتَقَ أَيْ إنْ صَدَّقَهُ وَيُتْبَعَ بِالْمَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَحَكَاهُ فِي الْإِنْصَافِ قَوْلًا وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فَقَالَ وَيُقْطَعُ فِي الْحَالِ وَجَزَمَ بِهِ الْإِقْنَاعُ أَيْضًا وَذَكَرَهُ أَيْضًا نَصُّ الْإِمَامِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ عَبْدٌ ‏(‏غَيْرُ مُكَاتَبٍ لِسَيِّدِهِ‏)‏ لَمْ يَصِحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَقَرَّ ‏(‏سَيِّدُهُ لَهُ بِمَالٍ لَمْ يَصِحَّ‏)‏ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَفْدِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا يُقِرُّ بِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ سَيِّدُ قِنٍّ ‏(‏أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ عَتَقَ‏)‏ الْقِنُّ لِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ بِمَا يُوجِبُهُ ‏(‏ثُمَّ إنْ صَدَّقَهُ‏)‏ أَيْ السَّيِّدَ قِنُّهُ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ الْأَلْفُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِتَصْدِيقِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُصَدِّقْهُ الْقِنُّ ‏(‏حَلَفَ‏)‏ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ ‏(‏وَالْإِقْرَارُ‏)‏ بِشَيْءٍ ‏(‏لِقِنِّ غَيْرِهِ إقْرَارٌ‏)‏ بِهِ ‏(‏لِسَيِّدِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ الْجِهَةُ الَّتِي يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا فَتَعَيَّنَ جَعْلُ الْمَالِ لَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِ سَيِّدِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْإِقْرَارُ ‏(‏لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَثَغْرٍ وَقَنْطَرَةٍ ‏(‏يَصِحُّ وَلَوْ أَطْلَقَ‏)‏ مُقِرٌّ فَلَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا كَغَلَّةِ وَقْفٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَيَّنَ السَّبَبَ وَيَكُونُ لِمَصَالِحِهَا‏.‏

‏(‏وَلَا يَصِحُّ‏)‏ الْإِقْرَارُ ‏(‏لِدَارٍ إلَّا مَعَ‏)‏ ذِكْرِ ‏(‏السَّبَبِ‏)‏ كَغَصْبٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَجْرِي عَلَيْهَا صَدَقَةٌ غَالِبًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَسْجِدِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ إقْرَارُهُ ‏(‏لِبَهِيمَةٍ إلَّا إنْ قَالَ عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِهَا‏)‏ زَادَ فِي الْمُغْنِي لِمَالِكِهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ مُقِرٌّ ‏(‏لِمَالِكِهَا‏)‏ أَيْ الْبَهِيمَةِ ‏(‏عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِ حَمْلِهَا‏)‏ وَهِيَ حَامِلٌ ‏(‏فَانْفَصَلَ‏)‏ حَمْلُهَا ‏(‏مَيِّتًا وَادَّعَى‏)‏ مَالِكُهَا ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْمُقَرَّ بِهِ ‏(‏بِسَبَبِهِ‏)‏ أَيْ الْحَمْلِ الْمُنْفَصِلِ مَيِّتًا ‏(‏صَحَّ‏)‏ إقْرَارُهُ وَأَخَذَ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَنْفَصِلَ حَمْلُهَا مَيِّتًا أَوْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا أَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ بِسَبَبِهِ ‏(‏فَلَا يَصِحُّ‏)‏ إقْرَارُهُ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ الْإِقْرَارُ ‏(‏لِحَمْلِ‏)‏ آدَمِيَّةٍ ‏(‏بِمَالٍ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَعْزُهُ إلَى سَبَبٍ لِجَوَازِ مِلْكِهِ إيَّاهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ كَالطِّفْلِ ‏(‏فَإِنْ وُضِعَ‏)‏ الْحَمْلُ ‏(‏مَيِّتًا أَوْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ بِبَطْنِهَا ‏(‏حَمْلٌ بَطَلَ‏)‏ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِمَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ ‏(‏وَإِنْ وَلَدَتْ‏)‏ الْمُقَرُّ لِحَمْلِهَا ‏(‏حَيًّا وَمَيِّتًا فَ‏)‏ الْمُقَرُّ بِهِ جَمِيعُهُ ‏(‏لِلْحَيِّ‏)‏ بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ فِي الْمَيِّتِ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ وَلَدَتْ ‏(‏حَيَّيْنِ فَ‏)‏ الْمُقِرُّ بِهِ ‏(‏لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلَوْ‏)‏ كَانَا ‏(‏ذَكَرًا وَأُنْثَى‏)‏ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ ‏(‏مَا لَمْ يَعْزُهُ‏)‏ أَيْ الْإِقْرَارَ ‏(‏إلَى مَا‏)‏ أَيْ سَبَبٍ ‏(‏يُوجِبُ تَفَاضُلًا كَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ يَقْتَضِيَانِهِ‏)‏ أَيْ التَّفَاضُلَ ‏(‏فَيُعْمَلُ بِهِ‏)‏ أَيْ بِمُقْتَضَى السَّبَبِ الَّذِي عَزَاهُ إلَيْهِ مِنْ التَّفَاضُلِ لِاسْتِنَادِ الْإِقْرَارِ إلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ مُكَلَّفٌ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الْحَمْلِ ‏(‏عَلَى أَلْفٍ جَعَلْتُهَا لَهُ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَوَهَبْتُهُ إيَّاهَا أَوْ تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ أَعْدَدْتُهَا لَهُ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏وَعْدٌ‏)‏ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَوْ قَالَ ‏(‏لِلْحَمْلِ عَلَى أَلْفٍ أَقْرِضْنِيهِ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ‏)‏ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلْحَمْلِ عَلَى أَلْفٍ إقْرَارٌ صَحِيحٌ وَقَدْ وَصَلَهُ بِمَا يُغَيِّرُهُ فَلَا يُبْطِلُهُ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏أَقْرِضْنِي‏)‏ الْحَمْلَ ‏(‏أَلْفًا‏)‏ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ قَرْضٌ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَقَرَّ لِمُكَلَّفٍ بِمَالٍ فِي يَدِهِ وَلَوْ بِرِقِّ نَفْسِهِ‏)‏ مَعَ جَهْلِ نَسَبِهِ ‏(‏أَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ قِنًّا فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ‏)‏ فِي إقْرَارِهِ ‏(‏بَطَلَ‏)‏ إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِهِ ‏(‏وَيَقِرُّ‏)‏ الْمُقَرُّ بِهِ ‏(‏بِيَدِ الْمُقِرِّ‏)‏ لِأَنَّهُ مَالٌ بِيَدِهِ لَا يَدَّعِيهِ غَيْرُهُ أَشْبَهَ اللُّقَطَةَ وَكَذَا يَبْقَى مَنْ أَقَرَّ بِرِقِّ نَفْسِهِ وَكَذَّبَهُ مُقَرٌّ لَهُ بِيَدِ نَفْسِهِ ‏(‏وَلَا يُقْبَلُ عَوْدُ مُقَرٍّ لَهُ إلَى دَعْوَاهُ‏)‏ أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ بِأَنْ رَجَعَ فَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ ‏(‏وَإِنْ عَادَ الْمُقِرُّ فَادَّعَاهُ‏)‏ أَيْ الْمُقَرَّ بِهِ ‏(‏لِنَفْسِهِ أَوْ‏)‏ ادَّعَاهُ ‏(‏لِثَالِثٍ قُبِلَ‏)‏ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ‏.‏